الجمعة، 10 أغسطس 2012

وقفة مع الشعر الحساني


وقفة مع الشعر الحساني

بقلم: الصالح ابراهيم الصالح

الجزء الأول:
----------
عندما نتكلم عن الشعر الحساني فإننا نخص جزا من ثقافة المجتمع الصحراوي التي كان ولابد الغوص في خباياها الخفية وتمحيص معانيها لمعرفة قيمتها الجمالية التي تجسد ماضي وحاضر ومستقبل الشعب الصحراوي وتدوينها وحفظها من كل الشوائب والمتغيرات من هذا المنطلق قمت بهذا البحث المختصر ولست بشاعر ولكن أحبه وأتطلع لمعرفة المزيد عنه فالشاعر الشعبي يسمى" لمغني" أما الشعر فيطلقون عليه كلمة " لغنا" وللشعر الشعبي قواعد وأوزان يصاغ على منوالها.

وبما أن الشعر العربي يعرف بعدد تفعيلاته هل هي سباعية أم خماسية مع مراعاة وضع الأوتار مفروقة أو مجموعة ولأسباب خفيفة أو ثقيلة في التفعيلة الواحدة. إلا أن الشعر الشعبي في بعض المناطق لا ينظر في البحور إلا إلى الحروف المتحركة ويهمل الحروف الساكنة، والبحر عند الأدباء الشعبيين يسمى ( بت) وجمعه (أ بتوت)، والبيت المؤلف من أربعة الشطار يسمى (كاف) ويمكن أن يشمل أكثر من عشرين شطراً وهذا في حالات قليلات. وهم لا يعتبرون في عروضهم إلا الحركات دون السواكن وإن كان هذا لا يعني الإهمال المطلق للسواكن لأن توزيع السواكن داخل البيت لها فعلها في تميز البحور، فمثلاً البيت الذي تكثر فيه هذه السواكن يطلق عليه اسم (البحر الأخرس) وإن كانت هذه السواكن متساوية مع المتحركين في البيت الواحد أو أقل منها يطلق على هذا البيت " البحر الأملس". وأعلى ما تصل إليه الحركات العشرة ولا تزيد إلا نادراً كما في البت الكبير وهو من سبعة إلى عشرة ويليه (البطين التام) هو ثمانية حركات في كل شطر، ويليه (ألت يدوم) سبعة حركات، (البطين الناقص) ست حركات، (حثو الجراد) ونشير هنا إلى أن البحور الشعرية (لبتت) الشعبية لها علاقة وظيفية مع المقامات الموسيقية حتى أن هناك تشابه بين بعض البحور في عدد المتحركين، ولكن الاختلاف يعود إلى المقامة الموسيقية التي ينتمي إليها كل بحر، فمثلاً بحر (أمريميدة) وبحر ( بوعمران) لكل منهما سبعة متحركين، إلا أنهما يختلفان من حيث الإيقاعات الموسيقية.

والبحور الشعرية الشعبية الأساسية وما يقابلها من مقامات موسيقية هي كالأتي:

المقام الموسيقي المناسب -عدد المتحركين ----اسم البحر ----
أكحال كر-10 متحركين ----البت الكبير ----1 أكحال لبتيت-08 متحركين ----البت التام ----2 أكحال كر-07 متحركين ----امريميدة ----3 بياظ كر-07 متحركين ----بو عمران ----4 بياظ سنيمة-07 متحركين ----تيكادرين ----5 فاقو-07 متحركين ----لبير ----6 أكحال سنيمة -الشطر الأول: 07 متحركين --- الشطر الثاني: 05 متحركين ----الصغير ----7 أكحال لبتيت-06 متحركين ----لبتيت الناقص ----8 خمس حركات، (أحويويص ) أربع حركات، ثم هناك نماذج أخرى غير أساسية منها ما هو بثلاثة حركات ومنها ما هو بحركة واحدة. بحور الشعر الحساني منها ما هو أساسي كثير التداول ومنها ما هو ثانوي (مهمل)، والبحور الأساسية في الشعر الشعبي الصحراوي هي بحور لبير بوعمران ولبتيت التام والناقص والصغير تيكادرين، أما البحور الثانوية فهي حثو الجراد واحويويص و المطروح وهي نادرة الاستعمال.

وهنا نتطرق بشيء من التفصيل لهذه البحور حتى نعرف الفرق بينها، والإيقاعات التي يعتمد عليها كل بحر. بحر بوعمران: يعتمد على سبعة متحركين في كل شطر من أشطاره ويتفق ابو عمران مع بحر مريميدة وتكادرين والتيدوم في عدد المتحركين، إلا أنهم يختلفوا في الإيقاعات الموسيقية. بحر أمريميدة : يعتمد هو أيضاً على سبعة متحركين، إلا أنه يختلف عن بحر بوعمران في المقام الموسيقى الذي ينظم فيه. بحر تكادرين: هو بحر يعتمد كذلك على سبعة متحركات، ويبقى الاختلاف كما هو الشأن في الذي قبله في عدد الإيقاعات التي يعتمدها كل بحر.

بحر الصغير: وهو البحر الوحيد الذي لا تتساوى أشطاره من حيث عدد المتحركين، إذا يوجد في شطره الأول سبعة متحركين، أما الشطر الثاني فيتكون من خمسة متحركين فقط. نلاحظ أن التافلويت الأخيرة التي تتكون من خمسة متحركين في بحر الصغير تقف دائماً على حرف ساكن، وهذا ما يجعله يخالف بحر (حثو الجراد) الذي يمكن ان ينتهي بحرف ساكن أو بحرف متحرك، والمتحرك الخامس في بحر الصغير يتبعه ساكن دائماً سواء كان ذلك في التافلويت الأولى أو الثانية. والساكن الذي يلي المتحرك الخامس في التافلويت الأولى يليه دائماً متحركين بينهما ساكن.

بحر لبير: يعتمد في وزنه على سبعة متحركين دون أن تكون له علاقة بالبحور السابقة ذات السبعة متحركين، ويعتبر هذا البحر من أغزر البحور لكثرة النظم فيه.
بحر لبتيت الناقص: وسمي بالناقص لأنه ناقص بمتحركين ويعتمد في وزنه على ستة متحركين في كل شطر من أشطاره.
بحر لبتيت التام: ويعتمد في وزنه على ثمانية متحركين عكس لبتيت الناقص الذي يعتمد في وزنه على ستة متحركين فقط.
بحر اتهيدين: يعتمد في وزنه على تسعة إلى عشرة متحركين، وهذا ما يجعل أشطاره تتميز بالطول.
بحر حثو الجراد: يعتمد على خمسة متحركين في كل شطرين من أشطاره بحر أحويوص: وهو بحر يعتمد في وزنه على أربعة متحركين، ويعد من البحور الثانوية لعدم الإنشاء فيه بكثرة.
بحر المطروح: وهو بحر مهمل تماماً ويعتمد على متحرك واحد إلى ثلاثة متحركات مثال لبحر المطروح المكون من متحرك واحد.

يرى المتتبع للشعر الشعبي الصحراوي كيف يتيح هذا التنوع الواسع في البحور الشعرية المجال واسعاً أمام الشعراء ليختاروا البحور التي تناسب أغراضهم وتناسب قدراتهم وكذلك التنوع في المواضيع والبحور الشعرية في الشعر الشعبي الصحراوي تتفاوت من حيث غزارة الإنتاج فيها، فنجد أن أخصبها وأكثرها تناولاً عند شعراءنا الشعبيين لبير ولبتيت وامريميدة وتكادرين، في حين يقتصر بحر حثو الجراد وحويويص على المقطوعات القصيرات والأغاني في حين أن المطروح نادر الاستعمال.

كما يرى العلاقة الوظيفية بين الشعر والموسيقى، فالوظيفة التي تؤديها معزوفة أو لحن موسيقي يؤديها بيت الشعر (القاف) أو القصيدة (الطلعة) جمالياً واجتماعياً وثقافياً، وهكذا كثر في الشعر الشعبي وصف الهيئات والحركات كما كثرت في الطرب الحساني (آزوان) الألحان والإيقاعات بنفس الدرجة. إن وحدة التسمية (لغنا) التي تطلق خالية من كل مد والتي يقصد بها الشعر وهي نفس الطريقة التي ينطق بها اللفظ الذي يطلق على الغناء المصاحب للموسيقى.

وبعد الإشارة إلى العلاقة الوظيفية بين الشعر والمقامات الموسيقية يمكن أن نبدي بعض الملاحظات حول عدد من البحور الشعرية:
1. بحر بوعمران – يناسب الخطوات السريعة للجمل أي ما يسمى عند الصحراويين (أقران)، والجمل ذو ارتباط وظيفي وتاريخي بل ووجداني بالمنطقة وأهلها. وعادة ما ينشد بوعمران عندما يمر (امجبور)، غير أن هذا لا يعني أن بحر بوعمران يقتصر على التغني بالإبل، بل ينشد فيه في الأغراض والمواضيع المختلفة.
 2. بحر امرميدة وتكادرين- يصلحان للإنشاد الملحمي والتغني بالأمجاد والبطولات وسرد الوقائع والملاحم البطولية، فالشعر الذي ينظم في بحر تكادرين مثلاً ينشد في مقام (فاقو) وهو أحد القامات الموسيقية المعهودة للتغني في أوقات الحرب مصاحباً لقرع الطبول وخاصة عند الإعلان عن التعبئة والاستنفار.
 3. بحر التهيدين- لأغراض الفخر والمديح والشعر لمعروف بالتوحيد (الشعر الديني) أما بحر الصغير وبحر لبير فهما بحرا الحنين ووصف الطبيعة، في حين يعتبر بحر لبتيت بنوعيه الناقص والتام – بحر الغزل والغرام والذكريات والشجون وانهمار العواطف. إن تنوع المواضيع التي تتناولها بحور الشعر الشعبي جعلها تحيط بكل المحاور التي تدور حولها حياة الإنسان الصحراوي وتعكس أحاسيسه وعواطفه وهمومه ومشاغله في كل أطوار حياته وتعتبر صورة صادقة عن كل ذلك العالم الغني من الصور والرؤى والمشاعر التي خلدها الشاعر الشعبي بكل أمانة.

الجزء الثاني:
----------
في هذا الجزء نسلط الضوء على أغراض الشعر الحساني مع التطرق لبعض البحور المعروفة في الوقت الحالي و الأكثر شيوعا و نعدكم إنشاء الله أنني لن ابخل عليكم في هذا المجال لان التراث بحاجة الى إثرائه وتقديمه على الشكل المطلوب ولكم التحية. فأغراض الشعر الشعبي الحساني أبرزها:

ـ ما هو جائز: حيث يكون الشعر فيه تام أي لا زيادة و لا نقصان في أوزانه غني بالتضمين واللزوم، الجناس و الملخ والإنفاق وغيره من الجماليات.

ـ المكروه : يكره حرف الزي (بتفخيم حرف الزاي) كما يكره الاستعانة أو نظم كلمات من غير اللهجة الحسانية لأنه خلط لا مبرر له غير العجز إلا في حالات قليلات ومهما كان فان الشعر المختلط لا يكون محبوبا عند الناس.

ـ أما ألممنوع في الشعر الحساني: "أضلاع" و يقصد به عدم توافق شطر البيت الشعري سواء من حيث كلمات الشطر الواحد الذي يسمى "تافلويت" أو متحرك، أو زيادة "تافلويت" أو نقصانها، أو تتجاوز القافية أحمر أو عقرب أو تنقص عن ذلك فتصبح وترا وهو ما يعرف باسم "لعوار" أو "العور" و ضياع المعنى .

ـ فالواجب : تحترم فيه القافية أو القافيتين حيث يكون "الكاف" (البيت الشعري) أو "الطلعة"(القصيدة) أو "الصبة" (قصيدة بدون حمر) حائزا على شروط ذلك، و لا يقبل فيه الوتر أي وجود الشطر.

ـ المندوب: وهو أن تكون "الطلعة"(القصيدة) لها "كاف" (بيت شعري) مرتبط بها من حيث التركيب و المعنى سواء كان في مطلعها و تعطف عليه أو جاء في النهاية لتكسر عليه، كما يجب التنويه إلى أفضلية كتابة الشعر الحساني بكلمات اللهجة العامية على الفصحى كمقياس جمالي في نظم هذا النوع من الشعر وللإشارة لا بد من التنويه إلى أن شعر المرتبط بالموسيقى أي ولد ليتجاوب مع النوطات الموسيقية لا زال معترف به وقد جمعت كل بحورها في بحر واحد سمي اصطلاحا البت الكبير وقد كانت هناك بحور كثيرة منها: الرسم والمصارع (بفتح الميم و تشديد الصاد وتسكين العين)، ولعسير، وأشطان وأزمول، والتروس إلا أن التطور الذي حصل في مجال الشعر الشعبي أدى في مجمله إلى تجاوز الكثير من البحور والاحتفاظ بما نعرفه الآن فقط والتي هي:

ـ ا بعمران: يبنى "الكاف" في بعمران على سبعة متحركات تبدأ ب: متحرك وساكن ثم متحرك وفيه نذكر:

يا آرب افتح يلفتاح / باوليل يزكر لبطاح
نافذ الغبرة رعدو باح / راغب من انيل بلحمال
جايدين به ملوك اصحاح / جاي للقحط وتبدال

ـ لبير: الذي يعتبر سبكه كسبك "لبتيت" تقريبا رغم أنه ينقص عنه بمتحرك و احد حيث أن شعر بحر "لبتيت" ينظم على سبعة متحركات ويتميز شطره الأول بما يعرف في الحسانية ب "لحراش" أما شطره الثاني فهو مسبول (سلس) عكس الشطر الأول وهذه ميزة أخرى يمتاز بها عن "لبتيت" و قد يتحول في بعض المواقف إلى ما يعرف "بتاطراتق" أو "مماية لبير" وفيه يقول محمد عبد الله ولد الفيلالي:

أصل اهرب ذلي ما روم / غيرو ولانسمع فيه لوم
وهروب ماه من ليوم / لو نوب عني هارب
شارب مذكور من ابروم / وانا من تشل شارب
مذا دون الي رايمو / دلالي من لمسارب
امسارب لحدب وايمو / ومسارب بير القارب
جاين به املوك صحاح / جاي للقحط وتبدال.

ـ لبتيت: و هو نوعان، ما يعرف ب "البتيت الناقص" وهو الذي يكتب بستة متحركات و "لبتيت التام" والذي له ثماني متحركات، عموما يعتبر "لبتيت التام" الأكثر سلاسة من بين بحور الشعر الحساني لكثرة متحركاته وأما سبب تجزئته إلى قسمين ناقص وتام فهو لأن الموسيقى تتعامل معه على أنه كذلك ونذكر فيه طلعة وكاف:

قلابت تيرس شوف العين / شوفتهم تشفي لخلقات
ونعرف بعدان عن شي زين / ايتم الازين فثبات
ومعدل عندي ياسبحان / ازمول الطيحة ويموزان
وقرارة وشفقت ومرحان / راهم قبلت لعشاريات
ولمدن وقلاب انميان / درمان وكديت لقلات
واد الجنة يا المنان / الي كنو فيه اخيمات
الحية وخضار الوديان / ومسارب زينين وطرحات
من لحبالية واذنبان / واتيل ازين وطلحيات
وراكيب لمقيل ارزان / برواحلهم شرق اخيمات
وزرق عين تشوف لفرقان / اخيام اكبرات وبنيات
الي فيهم تجبر لحسان / لاخلاق ازينة ولعادات .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

È